فصل: نتف مما أنشد بين يدي سيدنا رسول الله من الأشعار والأراجيز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


مكانة قريش وفضلها

أخبرنا أبي تغمده الله برحمته قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا يوسف بن بدران بن بدر الحجوي وزينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر قالا أخبرنا جعفر بن علي الهمداني أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاني أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان أخبرنا عبد الخالق ابن الحسن بن محمد بن نصر حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي حدثنا الضحاك بن مخلد عن ابن جريج عن أبي الزبير

ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا محمد بن قايماز وفاطمة بنت إبراهيم قالا أخبرنا الحسين بن الزبيدي زاد ابن قايماز وابن اللتى قالا أخبرنا محمد بن محمد بن علي الطائي أخبرنا القاضي الرضى إسماعيل بن الحسن بن علي الفرائضي أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان كلاهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله الناس تبع لقريش في الخير والشر

أخرجه مسلم في المغازي من صحيحه عن يحيى بن حبيب بن عربي عن روح بن عبادة عن عبد الملك بن جريج عن أبي الزبير محمد بن مسلم عن جابر

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله اللهم أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرها نوالا

أخرجه الترمذي

أخبرنا أحمد بن منصور بن الجوهري سماعا عليه قال أخبرنا أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي أخبرنا أبي أخبرنا أبو زرعة أخبرنا مكي بن منصور أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الإمام الشافعي رضي الله عنه أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذيب عن الحارث بن عبد الرحمن أنه قال بلغنا أن رسول الله قال لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله

وفي حديث جبير بن مطعم أن رسول الله قال إن للقرشي قوة الرجلين من غير قريش

قيل للزهري ما عني بذلك قال نبل الرأي

أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح

وفي حديث إن لله حرمات ثلاثا من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه ومن ضيعهن لم يحفظ الله له شيئا قيل وما هي يا رسول الله قال حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي

وفي حديث آخر قال رسول الله هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين

وفي حديث آخر من يرد هوان قريش أهانه الله

وفي حديث آخر ألا من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل

وفي حديث آخر من أحب قريشا أحبه الله ومن أبغض قريشا أبغضه الله

وفي حديث آخر إذا اجتمعت جماعات في بعضها قريش فالحق مع قريش وهي مع الحق

وصح قوله كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي

وصح أيضا قوله إنما نحن وبنو المطلب هكذا وشبك بين أصابعه أو إنما نحن وبنو هاشم شيء واحد

وفي حديث أمان أهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش

وروى النسائي أنه قال الأئمة من قريش

وفي الصحيحين لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان

فهذه الأحاديث وما يدخل في معناها مما ذكره أصحابنا في تصانيفهم في مناقب الإمام المطلبي أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المكي إيه

وهو فيما أجده يترجح عندي محمد بن فاطمة بنت عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهذا ما ذكر الحاكم أبو عبد الله أنه سمع أبا نصر أحمد ابن الحسين بن أبي مروان يقول إنه سمع إمام الأئمة أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول إنه سمع يونس بن عبد الأعلى يقول إن أم الشافعي فاطمة وساق نسبها كما ذكرته

وكان يونس يقول لا أعلم هاشميا ولدته هاشمية إلا على بن أبي طالب والشافعي رضي الله عنهما

فإن قلت كيف تحتج إلى ترجيح هذا والمشهور المعزو إلى الشافعي نفسه أن أمه كانت من الأزد وإياه ذكر الساجي والآبري والبيهقي والخطيب والأردستاني إلا أنه كناها أم حبيبة الأزدية ولم يذكر الأولون لها اسما ولا كنيه وقيل أمه أسدية والأزد والأسد شيء واحد واحتج من قال بهذا القول بأنه لما قدم مصر سأله بعضهم أن ينزل عنده فأبى وقال أريد أن أنزل على أخوالي الأسديين فنزل عليهم

قلت لا دلالة له في هذا على أن أمه أسدية لجواز أن تكون الأسدية أم أبيه أو أم جده ونحو ذلك ويكون اقتدى في ذلك قولا وفعلا برسول الله لما هاجر وقدم المدينة ونزل على أخوال عبد المطلب إكراما لهم وأما اجتماع الساجي

والآبري والبيهقي ومن ذكرت على أن أمه أزدية فإن كان هذا اللفظ مستنده ففيه ما تراه وإن كان لهم مستند آخر فهلا بينوه

فإن قلت قد ضعف البيهقي القول بأن أمه من ولد علي بن أبي طالب وجعل الحمل فيه على أحمد بن الحسين بن أبي مروان من جهة مخالفة سائر الروايات له وعضد ابن المقري في كتابه الحافل في مناقب الشافعي هذا التضعيف بأن داود بن علي رضي الله عنه قال سمعت الحارث بن سريج يقول سمعت إبراهيم بن عبد الله الحجبي يقول للشافعي ما رأيت هاشميا قط قدم أبا بكر وعمر على علي رضي الله عنهم غيرك قال الشافعي علي ابن عمي وأنا رجل من بني عبد مناف وأنت رجل من بني عبد الدار فلو كانت هذه مكرمة كنت أولى بها منك ولكن ليس الأمر على ما تحسب قال ابن المقري فأنظر كيف قال ابن عمي ولم يقل جدي وفي رواية ابن عمي وابن خالتي ولو كان من أولاد علي لقال جدي لأن الجدودة أقوى من العمومة والخؤولة

قلت أما تضعيف البيهقي فصادر من لين أحمد بن الحسين بن أبي مروان عنده وإذا ضعف الرجل في السند ضعف الحديث من أجله ولم يكن في ذلك دلالة على بطلانه بل قد يصح من طريق أخرى وقد يكون هذا الضعيف صادقا ثبتا في هذه الرواية فلا يدل مجرد تضعيفه والحمل عليه على بطلان ما جاء به

وأما كلام ابن المقري فإنه محيل غير أن لك أن تقول إنما اقتصر على ذكر كونه ابن عمه لأن القرابة بينهما من جهة الأب وأما الجدودة فإنها قرابة من جهة الأم والقرابة من جهة الأم لا تذكر غالبا فليس في شيء مما ذكر صراحة بأن أمه

ليست من أولاد علي نعم ذكر ابن عبد الحكم أن الشافعي قال له كانت أمي من الأزد وهذا نقف به الحكم بأنها علوية إلا أن يحمل على أنها أزدية علوية من جهتين ولله درها من أي قبيلة كانت أمن العلويين العالين قدرا جمع الله شملهم وشمل جمعهم أم من الأزد الذين قال فيهم رسول الله فيما رواه الترمذي الأزد أزد الله في الأرض يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم

ولم يكن مقصدنا هنا إلا تبيين أنه معلم الطرفين كريم الأبوين قرشي هاشمي مطلبي من الجهتين ويكفينا فيما نحاوله جهة الأبوة فإنه قرشي مطلبي من تلك الجهة قطعا وعلي كرم الله وجهه ابن خالته كما هو ابن عمه أما كونه ابن عمه فظاهر وأما كونه ابن خالته فلأن أم السائب بن عبيد جد الشافعي هي الشفا بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف وأم هذه المرأة خليدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف فظهر أن عليا رضي الله عنه ابن خالته بمعنى ابن خالة أم جده والغرض الأعظم تبيين أنه قرشي مطلبي وذلك أمر قطعي ومن أجله سقنا ما أوردناه من الأحاديث

قال أئمتنا رضي الله عنهم هذه الأحاديث التي يؤيد بعضها بعضا دالة دلالة لا مدفع لها على تعظيم قريش وأن الحق عند اختلاف الخلق في جهتها وأن حبها حب للنبي وبغضها بغض له وأن من اراد إهانتها أهانه الله وأن الناس تبع لها وأن الأمر فيها لا يزال ما بقي في الناس اثنان وأن الأئمة منها وأن من آذاها فقد آذى رسول الله وأن للواحد منها قوة الرجلين من غيرها في نبل الرأي إلى غير ذلك مما وقفت عليه

مناقب الإمام الشافعي

قالوا والإمام القرشي الذي لا يختلف عاقلان في أنه من قريش هو الشافعي رضي الله

عنه فهو المشهود له بالإمامة بل بانحصار الإمامة فيه لأن الأئمة من قريش يدل بحصر المبتدأ على الخبر على ذلك ولا نعني بالإمامة إمامة الخلافة بل إمامة العلم والدين أو أعم من ذلك فبكل تقدير إمامة العلم والدين مقصودة لأنها إما كل المقصود أو بعضه وفي بعض هذا كفاية لمن يتقي الله تعالى ويحتاط لنفسه أن يزيغ عن الحق على عظيم قدر الشافعي وسديد مذهبه وصواب رأيه وأن من عاند مذهبه فقد عاند الحق وباء بعظيم الإثم ومن أراد إهانته أهانه الله ولو أن أحدا من الخلق غيره ادعى أنه قرشي وأراد منا هذه المرتبة لقلنا له

أولا أثبت أنك أنك قرشي وهيهات فكم من الأعراب في هذا الزمان من يدعي الشرف ولا نستطيع أن نحكم له به لعدم تيقن ذلك أو غلبة الظن به

ثم نقول له ثانيا ينبغي أن تكون من التمسك من العلم والدين بحيث تكون من جملة القوم المشار إليهم في هذه الأحاديث وما سنورده من أحاديث آخر فلا أحد بعد انصرام عصر الصحابة رضي الله عنهم اتفق الناس على أنه حبر مقدم في العلم والدين وأنه من قريش سوى الشافعي

ثم نقول له ثالثا لو وصلت إلى هذه المرتبة ومناط الثريا أقرب منها فينبغي أن يكون للخلق منذ انقادوا لقولك واستمعوا لمذهبك ودانوا الله بمعتقدك وعبدوا الله ركعا وسجدا بتلقينك قريب من ستمائة سنة تطلع الشمس وتغرب ويموت أناس ويحيى آخرون وتنقرض دول وتنشأ دول ومذهبه باق لا ينصرم وقوله متبع لا يتغير

وليعلم باغي الحق وطالب الصدق ورائد التحقيق والسالك من سبيل التدقيقات كل مضيق أن جماع صفات الحمد وإن تكاثرت فنونها وتعاظمت أقسامها في خلقي وكسبي وإن شئت قلت في موهبة مبتدأة وعطية جهد فيها طالبها والمواهب المبتدأة تكسب صاحبها الحمد الجزيل والمدح النبيل ولا يعود على فاقدها بالملام وإن نقصته عن ذلك المقام وأما العطايا الكسبية الناشئة عن كد القرائح وجهد الأبدان

وإعمال القلوب والجوارح فمن ترفعها يحمد صاحبها

تبارك الله ماذا تبلغ الهمم

ومن تقاصرها يلام إلى حيث يرتفع الممدوح بها إلى أعلا من مناط النجوم ثم يترقى إلى ما تتقاصر العقول عن إدراك حقيقته ويتنازل المذموم بالتقاعد عنها إلى أسفل من حضيض التخوم إلى ما يبعد الأنظار عن سواد شقوته ومن يرد الرب تعالى به خيرا ينله منها ما شاء على ما يصنع ومن يرفع الله لا يوضع

وهذا الإمام المطلبي أخرجه الله من صميم العرب حيث ترتفع بيوتها فوق السما ومن بنى مضر حيث هي جارة ذيل الفخار والعلا ثم من إكرام الله تعالى إياه وموهبته له لا بمسعاه أنه لم يخلق بعد عصر الصحابة في قريش مثله ولا أقام منهم مدعيا لإمامة العلم والدين يسمع له الناس على مر السنين ولا موسوما بهذين الأمرين مع شهادة الخلق وشهرة الاسم عند الخاص والعام سواه

فنقول ولا نزكى على الله أحدا ولا نقطع على الله أبدا لعل الله تعالى إنما أراد ذلك ليتوضح أمر إمامته ويتبين للخاص والعام ولا يخالط الشك شيئا من الأفهام

وقد أنشد ابن المقرى في كتابه لبعضهم مما يناسب ذكره هنا

الشافعي إمام كل أئمة ** تربى فضائله على الآلاف

ختم النبوة والإمامة في الهدى ** بمحمدين هما لعبد مناف

وقد ذكر أهل العلم أن الله تعالى حمى اسم نبينا محمد أن يتمسى به من يدعي النبوة قبل زمانه وفي إبان خروجه لمثل ما ذكرناه ولعله سبحانه وتعالى قدر بعد انقراض عصر الصحابة أن لا يخرج من قريش متبوع في العلم والدين غير الشافعي ليستقيم هذا المنهاج ولا يخالط القلوب شيء من الاختلاج ثم نركب من هذا دليلا على أنه

الإمام المصيب وسنشير إليه في حديث يبعث الله على رأس كل مائة

واعلم أن ما أوردناه من الأحاديث دال على الشافعي بعمومه لا بخصوصه وها نحن نذكر من الحديث ما يدل على الخصوص ولا يخفى أنه إذا قامت دلالة الخصوص عضدت أدلة العموم ووصلتها إلى القطع فإن الخاص يصير بالنسبة إليه كخصوص السبب بالنسبة إلى لفظ العموم لا سيما وتلك العمومات قد بينا أن بعضها يعضد بعضا

فنقول روى أن رسول الله قال لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما

وعن رسول الله أنه قال لا تؤموا قريشا وائتموا بها ولا تقدموا على قريش وقدموها ولا تعلموا قريشا وتعلموا منها فإن إمامة الأمين من قريش تعدل إمامة الأمينين من غيرهم وإن علم عالم قريش ليسع طباق الأرض

وهذا الحديث قاله علي كرم الله وجهه يوم حرورا لعبد الله بن عباس لما أرسله إلى الخوارج قال قل لهم على م تتهموني وأشهد لسمعت رسول الله يقول ذلك

ونقول فما دل هذا الحديث بعمومه على قريش وبه استشهد على الرضا كرم الله وجهه كذلك دل على الشافعي من بينهم بخصوصه لأنه رضي الله عنه وأرضاه وجمعنا معه في دار كرامته عالم قريش الذي ملأ الأرض علما لا يمتري في ذلك إلا جاهل متعصب

قال الإمام الجليل أبو نعيم عبد الملك بن محمد الفقيه في قول النبي عالم قريش يملأ الأرض علما علامة بينة أن المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش قد ظهر علمه وانتشر في البلاد وكتبت كتبه ودرسها المشايخ والشبان الأحداث في مجالسهم وصيروها إماما لهم واستظهروا أقاويله وأجروها في مجالس الأمراء والحكام وحكموا بها في الدماء والفروج

قال وهذه صفة لا نعلمها أحاطت بأحد إلا الشافعي إذ كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين وإن ظهر علمه وانتشر فإنه لم يبلغ مبلغا يقع تأويل هذه الرواية عليه إذ ليس للواحد منهم غير نتف وقطع من المسائل بخلاف الشافعي القرشي فإنه صنف الكتب وشرح الأصول والفروع ووعت القلوب كلامه وازداد على مرور الأيام حسنا وبيانا وبلغ الحد الذي جاز للمتأول أن يتأول في هذه الرواية أنه هو المراد منها

قلت وهذا الذي ذكره أبو نعيم ذكره غيره ولا مرية في صحته وإنما بالغ في تقيريره مع وضوحه خشية من منازعة جدلي مغرور في شيء منه فإنه إن استطاع المنازعة في شيء منه فغايته أن يقول على كرم الله وجهه أيضا من علماء قريش وابن عباس رضي الله عنهما كذلك وغيرهما من الصحابة

فنقول له من ذكرت وإن كان في العلم والدين بالمنزلة التي تفوق الشافعي إلا أن التصانيف والشهرة وكثرة الأتباع مخصوصة بابن إدريس هذا تقرير كلام أبي نعيم وغيره

وأنا أقول ولئن سلمنا أن أمر من ذكرت كذلك ولا والله لا نسلم ذلك إلا تنزلا ولا يعتقده إلا أحمق فنقول الشافعي أيضا من علماء قريش فليس في الحديث ما يدل على انحصار الأمر في شخص واحد بل هو دال على أن عالم قريش حيث وجد ملأ الأرض علما وهو عالم قريش قولا واحدا سواء كان هو ذلك العالم ولا سواه أم هو وغيره ثم لا مذهب لأحد من علماء قريش يعرف ويتبع سواه فهاتوا لنا مذهب قرشي حتى ننقاد إليه

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها

وفي لفظ آخر في رأس كل مائة سنة رجلا من أهل بيتي يجدد لهم

أمر دينهم ذكره الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقال عقيبة نظرت في سنة مائة فإذا هو رجل من آل رسول الله عمر بن العزيز ونظرت في رأس المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله محمد بن إدريس الشافعي

قلت وهذا ثابت عن الإمام أحمد سقى الله عهده

ومن كلامه إذا سئلت عن مسألة لا أعلم فيها خبرا قلت فيها يقول الشافعي لأنه عالم قريش وذكر الحديث وتأوله عليه كما قلناه

ولأجل ما في هذه الرواية الثانية من الزيادة لا أستطيع أن أتكلم في المئين بعد الثانية فإنه لم يذكر فيها أحد من أهل النبي ولكن هنا دقيقة ننبهك عليها

فنقول لما لم نجد بعد المائة الثانية من أهل البيت من هو بهذه المثابة ووجدنا جميع من قيل إنه المبعوث في رأس كل مائة ممن تمذهب بمذهب الشافعي وانقاد لقوله علمنا أنه الإمام المبعوث الذي استقر أمر الناس على قوله وبعث بعده في رأس كل مائة من يقرر مذهبه وبهذا تعين عندي تقديم ابن سريج في الثالثة على الأشعري فإن أبا الحسن الأشعري رضي الله عنه وإن كان أيضا شافعي المذهب إلا أنه رجل متكلم كان قيامه للذب عن أصول العقائد دون فروعها وكان ابن سريج رجلا فقيها وقيامه للذب عن فروع هذا المذهب الذي ذكرنا أن الحال استقر عليه فكان ابن سريج أولى بهذه المنزلة لاسيما ووفاة الأشعري تأخرت عن رأس القرن إلى بعد العشرين

وقد صح أن هذا الحديث ذكر في مجلس أبي العباس بن سريج فقام شيخ من أهل العلم فقال أبشر أيها القاضي فإن الله تعالى بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز وعلى الثانية الشافعي وبعثك على رأس الثلاثمائة ثم أنشأ يقول

اثنان قد مضيا فبورك فيهما ** عمر الخليفة ثم حلف السؤدد

الشافعي الألمعي محمد ** إرث النبوة وابن عم محمد

أرجو أبا العباس أنك ثالث ** من بعدهم سقيا لتربة أحمد

قال فصاح أبو العباس بن سريج وبكى وقال لقد نعى إلى نفسي وروى أنه مات في تلك السنة

وقال آخرون إنما المبعوث على رأس المائة الثالثة أبو الحسن الأشعري لأنه القائم في أصل الدين المناضل عن عقيدة الموحدين السيف المسلول على المعتزلة المارقين المغبر في أوجه المبتدعة المخالفين

وعندي أنه لا يبعد أن يكون كل منهما مبعوثا هذا في فروع الدين وهذا في أصوله وكلاهما شافعي المذهب والأرجح إن كان امر منحصرا في واحد أن يكون هو ابن سريج

وأما المائة الرابعة فقد قيل إن الشيخ أبا حامد الإسفرايني هو المبعوث فيها وقيل بل الأستاذ سهل بن أبي سهل الصعلوكي وكلاهما من أئمة الشافعيين وعظماء الراسخين

قال أبو عبد الله الحاكم لما رويت أنا هذه الرواية يعني ابن سريج والأبيات كتبوها يعني أهل مجلسه وكان ممن كتبها شيخ أديب فقيه فلما كان في المجلس الثاني قال لي بعض الحاضرين إن هذا الشيخ قد زاد في تلك الأبيات ذكر أبي الطيب سهل وجعله على رأس الأربعمائة فقال من قصيدة مدحه بها

والرابع المشهور سهل محمد ** أضحى عظيما عند كل موحد

يأوي إليه المسلمون بأسرهم ** في العلم أرجا والخطيب مؤيد

لا زال فيما بيننا حبر الورى ** للمذهب المختار خير مجدد

قال الحاكم فلما سمعت هذه الأبيات المزيدة سكت ولم أنطق وغمني ذلك إلى أن قدر الله وفاته تلك السنة

قلت والخامس الغزالي

والسادس الإمام فخر الدين الرازي ويحتمل أن يكون الإمام الرافعي إلا أن وفاته تأخرت إلى بعد العشرين وستمائة كما تأخرت وفاة الأشعري ومن العجب موت ابن سريج سنة ست وثلثمائة والاختلاف فيه وفي الأشعري وموت الأشعري بعد العشرين وكذلك موت الإمام فخر الدين بن الخطيب سنة ست وستمائة والنظر فيه وفي الرافعي وتأخرت وفاته هكذا

والسابع الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد

وهؤلاء لا يحسن من أحد أن يخالف فيهم ومتى دفعنا الأشعري وسهلا والرافعي عن هذا المقام كان الجميع من الشافعي إلى ابن دقيق العبد أسماؤهم دائرة ما بين محمد وأحمد

وقد نظمت أنا هذا المعنى كله وأضفت إليه الأبيات السابق ذكرها وافتتحت بالشعر السابق ثم ذكرت الاختلاف في الأشعري ثم ذكرت في البيت الرابع الصعلوكي وقد كان سهل ممن لا يدفع عن هذا المقام بوجه يتضح لمشاركته للشيخ أبي حامد في الفقه وقرب الوفاة من رأس المائة بخلاف الأشعري مع ابن سريج كما ستعرف إن شاء الله تعالى في تراجمهما مع زيادة تصوفه وتبحره في بقية العلوم ثم ذكرت الاختلاف في الشيخ أبي حامد وذكرت من بعده إلى السابعة

وهذه الأبيات

اثنان قد مضيا فبورك فيهما ** عمر الخليفة ثم حلف السؤدد

الشافعي الألمعي محمد ** إرث النبوة وابن عم محمد

أرجو أبا العباس أنك ثالث ** من بعدهم سقيا لتربة أحمد

ويقال إن الأشعري الثالث المبعوث ** للدين القويم الأبد

والحق ليس بمنكر هذا ولا ** هذا وعلهما امرآن فعدد

هذا لنصرة أصل دين محمد ** كنظير ذلك في فروع محمد

وضرورة الإسلام داعية إلى ** هذا وذاك ليهتدي من يهتدي

والرابع المشهور سهل محمد ** أضحى عظيما عند كل موحد

وقضى أناس أن أحمد الاسفراييني ** رابعهم ولا تستبعد

فكلاهما فرد الورى المعدود من ** حزب الإمام الشافعي محمد

والخامس الحبر الإمام محمد ** هو حجة الإسلام دون تردد

وابن الخطيب السادس المبعوث إذ ** هو للشريعة كان أي مؤيد

والرافعي كمثله لولا تأخر ** موته كالأشعري وأحمد

والسابع ابن دقيق عيد فاستمع ** فالقوم بين محمد أو أحمد

إن تنف عن عبد الكريم والأشعري ** وسهل المأثور في ذا المسند

فانظر لسر الله إن الكل من ** أصحابنا فافهم وأنصف ترشد

هذا على أن المصيب إمامنا ** أجلى دليل واضح للمهتد

يا أيها الرجل المريد نجاته ** دع ذا التعصب والمراء وقلد

هذا ابن عم المصطفى وسميه ** والعالم المبعوث خير مجدد

وضح الهدى بكلامه وبهديه ** يا أيها المسكين لم لا تهتدي

فصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وجميع الأنبياء والمرسلين القائمين بمداواة القلوب وعلاجها صلاة كصلواتهم ذوات الأركان آمنة من خداجها ما مدت أنفس المذنبين إلى شفيع المؤمنين يد احتياجها ورضي الله عن إمامنا المطلبي الشافعي شافي العي عن الكلمات باعتدال مزاجها وفارع هضبات التحقيقات وراكب أثباجها والنازل من قريش في مجتمع سيولها وملتطم أمواجها وعن أصحابه أصحاب الوجوه التي تجلو الظلام بابتلاجها وفرسان المباحث يوم هياجها والمجتهدين على حفظ أقواله وسياق سياجها

قول أما بعد في الخطبة

أخبرنا ابي رحمة الله ورضي عنه بقراءتي عليه أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن عبد الله الظاهري بقراءتي عليه أخبرنا إبراهيم بن خليل

ح وأنبأنا عن ابن خليل أخبرنا يحيى الثقفي أخبرنا أبو عدنان محمد بن أحمد ابن أبي نزار حضورا وفاطمة بنت عبد الله الجوزدانية سماعا قالا أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الحافظ أخبرنا علي ابن أحمد بن بسطام الزعفراني حدثنا عمي إبراهيم بن بسطام حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا أبو عامر الخزاز صالح بن رستم عن الحسن عن عمرو بن تغلب أن النبي كان إذا خطب قال أما بعد

قال الطبراني لم يروه عن أبي عامر الخزاز إلا أبو داود تفرد به إبراهيم بن بسطام

أخرجه البخاري في صحيحه عن محمد بن معمر عن أبي عاصم عن جرير ابن حازم قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب فذكر الحديث مطولا في باب من قال في الخطبة أما بعد

وأخبرنا أبو الفضل محمد بن الضيا قراءة عليه وأناأسمع أخبرنا علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري وأبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك المقدسيان سماعا عليهما قالا أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا عن أبي محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني سماعا أخبرنا أبو القاسم تمام بن محمد الرازي أخبرنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك قراءة عليه حدثنا أبو بكر عبد الحميد بن محمود بن خالد حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معن بن عيسى حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن المهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد عن عامر بن سعد عن سعد أن النبي خطب فقال أما بعد

ليس هذا الحديث من هذا الوجه في شيء من الكتب الستة

ولو ذهبت أسند ما وقع من الأحاديث والآثار في أما بعد لطال الفصل وخرج إلى الملال ودخل به السامع في الكلال

وقد عقد البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب صلاة الجمعة باب من قال في الخطبة أما بعد وذكر حديث فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر في حديث الكسوف وقول عائشة أن النبي خطب الناس وحمد الله بما هو أهله ثم قال أما بعد وذكر أيضا حديث عمرو بن تغلب المتقدم وذكر حديث عائشة في صلاة الليل وحديث أبي حميد الساعدي قام عشية بعد الصلاة فتشهد الحديث وحديث ابن عباس في قول النبي في خطبته أما بعد فإن هذا الحي من الأنصار يقلون ويكثر الناس

وقيل إن أول من قال أما بعد قس بن ساعدة وقيل كعب بن لؤي وقال جماعة إن أول من قالها داود عليه السلام وإنها فصل الخطاب الذي أوتيه

أخبرنا أحمد بن محمد النابلسي الحافظ بقراءتي عليه عن أحمد بن هبة الله وابن أبي عصرون عن أبي المظفر بن السمعاني أخبرنا أبي الحافظ أبو سعد أخبرنا وجيه بن طاهر بنيسابور أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة أخبرنا الحسين بن محمد بن علي حدثنا محمد بن عبد الله الساري حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن زكريا عن الشعبي سمع زيادا يقول فصل الخطاب الذي أوتي داود عليه السلام أما بعد

وكما أن النبي كان إذا خطب قال أما بعد كذلك كانت فصحاء العرب

وقال سحبان بن وائل

لقد علم الحي اليمانون أنني ** إذا قلت أما بعد أني خطيبها

مقدمة طبقات الشافعية

أما بعد

فإني من قبل أن يكتب لي الشباب خط العذار ويستجلي نظر تمييزي وجوه البشارة والإنذار أردد نظري في أخبار الأخيار وأترقب أحوالهم لأحيط بها من إسفار صبح الأسفار

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادف قلبا خاليا فتمكنا

فأطلق عموم النظر من الصغر فيها ناظري وأعرب عن المبني على السكون في ضمائري وتلقف ما صنع السابقون من سحر الكلام والتقط ما فرقوه من درر مجمعة على أحسن نظام

وكنت ممن إذا سمع صالحا أشاع وإذا رأى ريبة دفن وإذ أبصرت محاسن علقت منها ما هاج العيون الذرفن إلى أن حصلت من ذلك على فوائد جمة ومقاصد إذا سفرت بدورها ضوأت الدياجي المدلهمة وفرائد هي في جيد التراجم تميمة ولمحاسنها تتمة فرايت أن يخلد ذلك فيما يكتب ويجلد وتنظم جواهره فيما نقلت أنامل الفكر فيه ويقلد

فأنزلت الشافعية رضي الله عنهم في طبقات وضربت لكل منهم في هذا المجموع سرادقات ورتبتهم سبع طبقات كل مائة عام طبقة وجمعتهم كواكب كلها معالم للهدى ومصابيح تجلو الدجى ورجوم للمسترقة

وهذا كتاب حديث وفقه وتاريخ وأدب ومجموع فوائد تنسل إليه الرغبات من كل حدب نذكر فيه ترجمة الرجل مستوفاة على طريقة المحدثين والأدبا ونورد نكتا تسحر عقول الألبا

وإذا كان ممن غلب عليه الفقه وقلت الرواية عنه أعملنا جهدنا في تخريج حديثه مسندا منا إليه ومنه إلى النبي

ولم نخل الكتاب عن زوائد تقر العين وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذ مثل درها من أين وفوائد يسود بها القرطاس ويود لو زيد فيه سواد القلب والبصر وتسود بها الأوراق فتصبح أسود من الشمس والقمر

ولربما جرت مناظرة بين كثيرين فشرحناها على وجهها غير تاركين للفظة منها أو كاينة تاريخية فأوردناها كما كان الدهر يأمر فيها وينهي

فاحتوى هذا المجموع على أشعار غالية الأسعار وحكايات ليس فيها شكايات ومواعظ يصمت عندها اللافظ ومناظرات رياضها ناضرات ومعارضات كانت النصرة

فيها مقارضات وأدلة تغدو بدورها تماما بعد أن كانت أهلة وتعاليل ألذ عند النديم من اليعاليل ونوادر تتبعها مواعظ وزواجر وملح للحسن فيها لمح

وكل هذا وراء مقصودنا الأعظم فيه ومرادنا الأهم الذي لا يقوم به سهر الليل ولا يوفيه إذ أعظم مقاصدنا أنا عند الفراغ من ترجمة كل رجل أو في أثنائها ننظر فإن كان من المشهورين الذين طارت تصانيفهم فملأت الأقطار ودارت الدنيا ولم تكتف بمصر من الأمصار نظرنا فإن وجدنا له تصنيفا غريبا استخرجنا منه فوائد أو مسائل غريبة أو وجوها في المذهب واهية وكتبناها وإلا فنذكر وجها غريبا ذكر عنه أو مقالة غريبة ذهب إليها وشذ بها عن الأصحاب وإن كان من المقلين أعملنا جهدنا في حكاية شيء من ذلك عنه وربما غلب الفقه على إنسان ولم نر عنه في الفقه مستغربا فنقلنا عنه فائدة غير فقهية إما حديثية أو غيرها وربما غلب عليه الحديث أو غيره من العلوم سوى الفقه فأعملنا جهدنا في نقل شيء من الفقه أو ما يناسبه عنه فإن لم نجد له شيئا لم نخل ترجمته من حكاية أو شعر أو فائدة تستغرب

ولنضرب أمثلة يتضح بها الغرض فنقول إذا جئنا للقفال والشيخ أبي حامد اللذين هما شيخا الطريقتين الخراسانية والعراقية ويمر بالفقيه ذكرهما ليلا ونهارا لم ننقل عنهما شيئا من كتبهما المشهورة بل نحرص على أن نعزو إليهما شيئا نجده في كتاب لهما مستغرب أو في كتاب لغيرهما نقله فيه عنهما ولا نكثر في ترجمتها من ذلك أيضا

وإذا جئنا إلى إمام الحرمين والغزالي والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وفخر الإسلام تلميذه مثلا أضربنا عما في النهاية للإمام والوسيط و البسيط و الوجيز للغزالي وعدلنا إلى مثل مثل الخلاصة للغزالي ومثل الغياثي للإمام

والأساليب في الخلافيات ونحو ذلك ولا نذكر شيئا من المهذب و التنبيه مثلا وإنما نعدل إلى النكت في الخلافيات ونحو ذلك ونحرص كل الحرص على أن لا نذكر شيئا في الرافعي و الروضة إلا لتعلق غرض به من زيادة تنكيت أو مبحث أو حكاية وجه أو قول أو غير ذلك كما ستراه إن شاء الله تعالى

وبالجملة لم آل جهدا ولم أدع الجنان يقر قراره ولا يهدا فبينا الفقيه منها في عويص الفروع المشتبكة إذا به في رياض من آداب تحرك فاقد الحركة وبينا الأديب في نشر حلل مطرزة إذا به في مواعظ وحكم موجزة وبينا المريد في سلوك الطريق إذا به في أحاديث مسندة يعلم أنها باب التوفيق وبينا المؤرخ في حكايات انقضى زمانها إذا به قد عبر على تراجم يعز على المنقب وجدانها

وقد جاء بحمد الله مجموعا آخذا من كل فن بنصيب نافذا في كل غرض بسهمه المصيب وهذا المظهر أجلب للمطالعة وأخلب للألباب التي أمست من الملل وهي ظالعة

ومن نظر كتابي هذا علم كيف كان البدر يغيب وأنا شاهد وتيقن أنه وظيفة عمر رجل ناقد فلقد اشتمل على بحر زاخر من غرائب المسائل وقدر وافر من عجائب الأقوال والأوجه والدائل وغيث هامع من العلم تتقاصر عنه الأنوا وغدير جامع تلقى عنده الدلا وينشده الأذكيا

يا أيها المائح دلوى دونكا ** إني وجدت الناس يحمدونكا

وجانب عظيم من المباحث القواطع والقواعد التي كل شامخ الأنف لديها خاضع والفوائد التي تنشد تحقيقاتها المحققين إذا أشارت إليها بالأكف الأصابع

أخذنا بآفاق السماء عليكم ** لنا قمراها والنجوم الطوالع

إيه وطرف جزيل من الطرف وباب واسع من الأدب الذي من وقف عليه من الأدباء وقف وهاجه شوق وتوق وأسف وأنشد

وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ** دعت ساق حر ترحة وترنما

مطوقة خطباء تسجع كلما ** دنا الصيف وانجاب الربيع فأنجما

من الورق حماء العلاطين باكرت ** عسيب أشاء مطلع الشمس أسحما

إذا زعزعته الريح أو لعبت به ** تغنت عليه مائلا ومقوما

تباري حمام الجهلتين وترعوى ** إلى ابن ثلاث بين عودين أعجما

محلاة طوق لم يكن من تميمة ** ولا ضرب صواغ بكفيه درهما

تروح عليه والها ثم تغتدي ** مولهة تبغي له الدهر مطعما

تؤمل فيه مؤنسا لانفرادها ** وتبكي عليه إن زقا أو ترنما

كأن على أشداقه نور حنوة ** إذا هو مد الجيد منه ليطعما

فلما اكتسى الوبل السخام ولم تجد ** لها معه في ساحة العيش مرتما

تنحت قريبا فوق غصن تداءبت ** به الريح صرفا أي وجه تيمما

فأهوى لها صقر مسف فلم يدع ** لها ولدا إلا رماما وأعظما

ووافت على غصن ضحيا فلم تدع ** لنائحة في نوحها متلوما

عجبت لها أنى يكون غناؤها ** فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما

فلم أر مثلي شاقة صوت مثلها ** ولا عربيا شاقة صوت أعجما

وعلم أنه واضح مبين وكتاب يتلقاه ذو المعرفة باليمين ولا يتغير عنه العارف به وإن بعد عنه عهده إذا غير النأي المحبين

نعم والله إنه لكتاب إذا قال أصغت الأسماع لما تلفظ به وإذا صال زحزح

كل مشكل من المشكلات ومشتبه وإذا صدحت بلاغته قال العربي إن حاسده أبغض العجم ناطقا إلى ربه

باللفظ يقرب فهمه في بعده ** منا ويبعد نيله في قربه

كتاب أصيل بأجناس المحاسن كفيل وحميل لأنواع المحامد جميل وحفيل لأصناف التمادح قبيل

ما زال يقصر كل حسن دونه ** حتى تفاوت عن صفات الناعت

ومسند متصل عن صفات النقص منفصل ومفرد مجموع يطرب من مسندات ألفاظه بلا بدع الموصول والمقطوع والمسموع ومترفع بأصالته على السما ومنقطع النسب كانقطاع مساجله عن القرنا إذا أنشده المنشد

إن أباها وأبا أباها ** قد بلغا في المجد غايتاها

أجاب فأنشد

وإني وإن كنت ابن سيد عامر ** وفارسها المشهود في كل موكب

فما سودتني عامر عن كلالة ** أبي الله أن أسمو بأم ولا أب

ولكنني أحمي حماها وأتقي ** أذاها وأرمي من رماها بمنكب

وقال لقد جمعت فأوعيت قاصيا ودانيا ونطقت فأسمعت ذاهبا وآتيا

ولو أن واش باليمامة داره ** وداري بأعلى حضر موت اهتدى ليا

ولست أقول هذا لأنفق البضاعة بل لأشوق أرباب الصناعة وأجمع على سنته أهل السنة والجماعة أعرف المريدين سلوك طريقه وأبين لهم أنه غير محتاج أن يقام له سوق بتلفيف الكلام وتلفيقه وأن صبح فضله طلع فاستغلظ فاستوى على سوقه فناديته وهو فوق محل النجوم وقد تقهقر خلفه القمران وسهيل نبذ بالعراء كأنه مذموم وأقبل حاسده وهو الصباح يتنفس على أواخر فجره ثم يخفى كأنه غيظ مكظوم

لما كرمت نطقت فيك بمنطق ** حق فلم أكذب ولم أتحوب

وناداني لسان الإنصاف غير متلبث صف فأما ما خلوت عنه فدعه وأما بنعمة ربك فحدث

وأخبرنا أبو زكرياء يحيى بن يوسف بن أبي محمد بن أبي الفتوح بن المصري قراءة عليه وأنا أسمع في العشرين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بمصر أخبرنا عبد الوهاب بن رواج إجازة أخبرنا أبو طاهر السلفي الحافظ سماعا أخبرنا مكي بن منصور بن محمد بن علان قدم علينا أصبهان أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح الصفار حدثنا محمد وعباس قالا حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال أتى أعرابي النبي فرآه رث الهيئة فقال ألك مال قال فقال نعم من كل المال قد أتاني الله قال فإذا كان لك مال فلير عليك

أخرجه النسائي من حديث أبي الأحوص عن أبيه قال أتيت رسول الله

وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا ** لمن بات في نعمائه يتقلب

وكأني بمن يحسد شمسه ضوءها ويجهد أن يأتي لها بنظير ويطاول منه الثريا وما أبعدها عن يد المتناول فيرجع إليه بصره خاسئا وهو حسير

وأتعب خلق الله من زاد همه ** وقصر عما تشتهي النفس وجده

فمن رام معارضته وقال كم ترك الأول للآخر فسبيل الحاكم بيني وبينه القائم بالنصفة أن يقول ما أمرك برشيد أيها القائل إنه لقادر ما لم تنبذ هذا الكتاب وراء ظهرك وتحاول قواك غير متأمل فيه ولا ناظر وأنشده

وفي الأحباب مختص بوجد ** وآخر يدعي معه اشتراكا

إذا اشتبكت دموع في خدود ** تبين من بكى ممن تباكى

وإن أبى إلا المطاولة فذره وما حاوله ولتقل

وإذا رأيت المرء يشعب أمره ** شعب العصا ويلج في العصيان

فاعمد لما تعلو فما لك بالذي ** لا تستطيع من الأمور يدان

وأنا مع وصفي هذ الكتاب ما أبريء كتابي ولا نفسي من شك ولا ريب ولا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب ولا أدعي فيه كمال الاستقامة ولا أقول بأن الطبقات جمع سلامة بل إذا دار في خلدي ذكر هذه الطبقات اعترفت بالقصور وسألت الله الصفح الجميل عما جرى به القلم فكم جرى بهذه السطور وقلم اللوح المحفوظ والكتاب المسطور ورجوت مسامحة ناظريه فهم أهلوها وأملت جميلهم فهم احسن الناس وجوها وأنضرهموها

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ** دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

وقد اشتد بحثي وكثر تنقيبي عن من صنف في الطبقات

فأول من بلغني صنف في ذلك الإمام أبو حفص عمر بن علي المطوعي المحدث الأديب صنف للإمام الجليل أبي الطيب سهل بن الإمام الكبير أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي كتابا سماه المذهب في ذكر شيوخ المذهب وهو كتاب حسن العبارة فصيح اللفظ مليح الإشارة وأنا لم أقف عليه ولكن وقفت على منتخب انتخبه منه الإمام أبو عمرو بن الصلاح

ثم ألف القاضي أبو الطيب الطبري مختصرا ذكر فيه مولد الشافعي رضي الله عنه وعد في آخره جماعة من الأصحاب

ثم ألف الإمام أبو عاصم العبادي كتابه وجمع فيه غرائب وفوائد إلا أنه اختصر في التراجم جدا وربما ذكر اسم الرجل أو موضع الشهرة منه ولم يزد ولذلك رأيت فيه أناسا مجهولين لم أطلع بعد شدة الكشف على شيء من حالهم

ثم ألف الإمام الرباني شيخ الإسلام أبو إسحاق الشيرازي كتابه وهو مختصر أيضا وغير مقتصر على الشافعيين بل فيه الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة والظاهرية مع كثرة من جاء بعد الشيخ أبي إسحاق من أصحابنا

ثم ألف الحافظ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني كتابه الطبقات وهذا الكتاب لم أقف عليه وما أنقله في كتابي هذا عنه فهو من نقل الحافظ أبي سعد بن السمعاني أو ابن الصلاح

ثم ألف القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن محمد القاضي الشيرازي كتاب تاريخ الفقهاء لم أقف عليه أيضا

ثم ألف المحدث أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي المعروف بفندق وفندق في أسماء جدوده كتابا سماه وسائل الألمعي في فضائل أصحاب الإمام الشافعي لم أقف عليه أيضا

ثم جمع الشيخ الإمام أبو النجيب السهروردي مجموعا لم أقف عليه أيضا

ثم جاء الشيخ ابن الصلاح رب الفوائد والفرائد ومجمع الغرائب والنوادر فألف كتابه وقد كان رحمه الله كما يظهر من كلماته عزم على أن يجمع جمعا ما بعده مطلب لمتعنت ولا أمل لمتمن ولكن المنية حالت بينه وبين مقصوده فقضى رحمه الله نحبه والكتاب مسودة فأخذه الشيخ الإمام الزاهد أبو زكريا النووي واختصره وزاد أسامي قليلة جدا ومات أيضا وكتابه مسودة فبيضه شيخنا حافظ الزمان أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي رحمه الله ومن العجيب أن الثلاثة أغفلوا حتى ذكر المزني وابن سريج والإصطخري والشيخ أبي علي السنجي والقاضي الحسين وإمام الحرمين وابن الصباغ وجماعة من المشهورين الذين يطرق سمع الشيخين أبي زكريا وأبي عمرو ذكرهم ليلا ونهارا وعشية وإبكارا

ثم ألف الشيخ عماد الدين بن باطيش كتابه وهو غير مستوعب أيضا على كثرة ما فيه ولا واف بالمقصود

فأعملنا الهمة حتى جاء كتابنا على الوجه الذي شرحناه والأسلوب الذي سقناه وحرصت أن لا أذكر حكاية ولا أثرا ولا شعرا إلا مستندا على طريق جهابذة الحفاظ

فأما ما سقناه من الأحاديث بالأسانيد فلقد أوقفني بعض فقهاء أبناء الزمان على نحو سبعة عشر حديثا وقعت له من طرق جماعة من الفقهاء الشافعيين وهو قد تبجح بها وأفردها بمجموع وظن أنه قد أتى بمدفوع عن سواه وممنوع وما حسب أن سهر الدجى يطلع على أنجم غائبة ودأب القلب يوصل إلى ما تتقاصر عنه السهام الصائبة والجد في السعي يتعالى بنفسه عن أن يطلع إلا شموسا بعد أقمار ويستخرج ما يقل له أن يكتب بسواد الليل على بياض النهار

فأنا ولله الحمد قد أسندت في كتابي هذا حديث المزني وأبي ثور وأبي عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي ومحمد بن الإمام الشافعي وأبي بكر الصيرفي وأبي عبيد بن حربويه وابن سريج والحارث المحاسبي والجنيد وأبي الحسن الأشعري والداركي وأبي الوليد النيسابوري وأبي بكر بن إسحاق الصبغي والشيخ أبي حامد الإسفرايني والأستاذ ابن أبي سهل وابنه سهل الصعلوكيين والقفال الكبير والماسرجسي وأبي بكر الدقاق والحليمي والأستاذ أبي إسحاق وأبي جعفر الترمذي وأبي زكريا السكري وابن فورك وأبي جعفر البحائي والقاضي أبي عمر البسطامي

وأبي عبد الله البيضاوي والقاضي أبي الطيب والأستاذ أبي منصور البغدادي والشيخ أبي محمد الجويني وولده إمام الحرمين وتلميذيه الغزالي وإلكيا وأبي إسحاق الشيرازي وتلميذيه فخر الإسلام الشاشي ويوسف بن علي الزنجاني وأبي حاتم القزويني والإمام أبي المظفر بن السمعاني وولديه الإمام أبي بكر والحسن وأبي عاصم العبادي وأبي سهل الأبيوردي وأبي العباس الأبيوردي وأبي سعيد الخوارزمي والقاضي الحسين وابن الصباغ ووالده أبي منصور بن الصباغ والفوراني والبغوي وأبي بكر الصيرفي وناصر العمري وأبي الحسين الحلابي والماوردي وأبي بكر الشامي ومحمد بن بيان الكازروني وابن برهان والقاضي أبي علي الفارقي وتلميذه ابن أبي عصرون وأبي نصر القشيري والشيخ الطوسي ويعيش بن صدقة الفراتي والمجير البغدادي وجماعة يضيق الأنفاس عدهم ويضيع القرطاس سردهم

ولم أترك الإسناد إلا عن المكثرين كأبي طاهر الزيادي وسليم الرازي والأستاذ أبي القاسم القشيري ونصر المقدسي وصاحب البحر الروياني وغيرهم أو من عزت علينا روايته وهم بحمد الله قليل من كثير ومن كان من الحفاظ ذوي الإكثار

كأحمد بن حنبل والربيع بن سليمان وأبي عوانة الإسفرايني وأبي حاتم الرازي وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبي بكر بن زياد النيسابوري والحاكم أبي عبد الله الحافظ والحفاظ أبي الحسن الدارقطني وأبي بكر البرقاني وأبي بكر البيهقي وأبي بكر الخطيب البغدادي وغيرهم

مع أن من أخليته من إسناد حديث فلم أخله من إسناد شعر أو حكاية وعلى أنك إذا اعتبرت الكتاب وجدته مشحونا بحديثهم لكثرته في غير تراجمهم

والله المسؤل أن يتقبله بقبول حسن وأن يعين على إكماله في أقرب زمن وهذا حين الشروع والله المستعان

ولا ينبغي أن يمل الناظر في هذا الكتاب طول الأسانيد وكثرة الأناشيد والاستطراد المزيد فإنه لذلك وضع ولهذا القصد جمع وعلى أعواد هذه القواعد رفع

وسترى فيه من الفوائد ما لا يوجد في مجموع ومن الفرائد ما يطرب منه المسموع ومن الزوائد ما هو فوق فرق الفرقد موضوع

وأما الشعر فقد سمعه النبي وقال إن منه لحكما ونطق به جماهير الصحابة وعدد بالغ من أحبار الأمة وإمامنا الشافعي رضي الله عنه مقدم التالين للصحابة رضي الله عنهم في ذلك

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عربشاه بن أبي بكر الهمداني قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر حضورا في الرابعة أخبرنا الخشوعي سماعا وإسماعيل الجنزوي إجازة قالا أخبرنا هبة الله بن أحمد الأكفاني أخبرنا أبو القاسم

الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله الحنائي حدثنا أبو يوسف يعقوب بن أحمد بن عبد الرحمن الجصاص الدعا حدثنا عبد الملك بن محمد البلخي حدثنا أبو بدر عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده الزبير قال قال رسول الله إن من الشعر لحكمة

حديث إن من الشعر حكمة ثابت عن رسول الله

رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي بن كعب عن رسول الله

ورواه الشافعي رضي الله عنه مرسلا عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث

ورواه أحمد وأبو داود أيضا من حديث ابن عباس ولفظه أن أعرابيا جاء إلى النبي فتكلم بكلام بين فقال النبي إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما

ولفظ أبي داود فجعل يتكلم بكلام وذكره

ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود ولفظه قال رسول الله إن من الشعر حكمة وقال غريب

وقد اختلف الناس في تأويل إن من البيان لسحرا علىقولين حكاهما أبو سليمان الخطابي ونقلهما عنه أبو المحاسن الروياني من أصحابنا في كتاب البحر في كتاب الشهادات

أحدهما أنه جار مجرى الذم للسعة والتصنع في الكلام والتكلف بتحسينه استمالة لقلوب السامعين فجعل بمنزلة السحر الذي يخيل ما لا حقيقة له والسحر مذموم فكذلك ما هو مشبه به

والثاني قال الروياني وهو قول الأكثرين إن القصد به مدح البيان والحث على تخير الألفاظ والتأنق في الكلام بدليل قوله وإن من الشعر لحكما

وقال أبو داود رحمه الله حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا أبو تميلة قال حدثني أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت قال حدثني صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله يقول إن من البيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيالا فقال صعصعة بن صوحان صدق نبي الله

أما قوله إن من البيان سحرا فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله من العلم جهلا فيتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك وأما قوله من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله من القول عيالا فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده

أخبرنا عمر بن الحسن المراغي بقراءتي عليه أخبرنا يوسف بن يعقوب بن المجاور إجازة قال أخبرنا زيد بن الحسن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر الحافظ أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي من كتابه في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة أخبرنا عبد الله بن موسى السلامي الشاعر بفائدة ابن بكير حدثني

أبو بكر مفضل بن الفضل الشاعر حدثني خالد بن يزيد الشاعر حدثني أبو تمام حبيب بن أوس الشاعر حدثني صهيب بن أبي الصهبا الشاعر حدثني الفرزدق الشاعر حدثني عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الشاعر حدثني أبي حسان بن ثابت الشاعر قال قال رسول الله اهج المشركين وجبريل معك قال إن من الشعر حكمه

وفي الصحيحين من حديث البراء أن رسول الله قال يوم قريظة لحسان اهج المشركين وأنا معك وفي رواية اهجم أو اهجهم وجبريل معك

وقال أبو داود رحمه الله حدثنا محمد بن سليمان المصيصي حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله يضع لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله

أخبرنا حافظ الدنيا أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي بقراءتي عليه في سابع عشر رجب سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أخبرنا إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن النحاس الحلبي أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ أخبرنا أبو طاهر على

ابن سعيد بن علي بن عبد الواحد بن أحمد بن فاذشاه أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد حضورا أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد وعلي بن محمد بن أحمد في جماعة قالوا أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا عباس بن الفضل عن هذيل بن مسعدة الباهلي حدثنا شعبة بن دخال الذهلي عن أبيه قال قال رسول الله إن هذا الشعر سجع من كلام العرب به يعطى السائل وبه يكظم الغيظ وبه يؤتي القوم في ناديهم

قال أبو نعيم ورواه الحارث ابن أبي أسامة عن العباس بن الفضل عن هذيل عن عمربن شعبة عن رجل من اليمن عن رجل من هذيل عن أبيه عن النبي حدثناه أبو بكر بن خلاد حدثنا الحارث فذكره

أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن داود الجزري قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي سماعا أخبرنا أبو الفرج يحيى ابن محمود الثقفي أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس حدثنا أحمد بن عصام حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد قال قال الشريد كنت ردفا لرسول الله فقال أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت نعم قال أنشدني فأنشدته بيتا فقال النبي هيه فأنشدته حتى أنشدته مائة بيت قال ثم سكت النبي وسكت

ورواه مسلم في صحيحه ولفظه إن الشريد قال ردفت رسول الله

يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت قلت نعم قال هيه فأنشدته فقال هيه فأنشدته فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت

وفي رواية استنشدني رسول الله وذكر نحوه وزاد فقال يعني رسول الله إن كاد ليسلم

وفي أخرى ولقد كاد يسلم في شعره

فإن قلت ما تقولون في قوله لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا

وهذا حديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة

ومن حديث ابن عمر أيضا في صحيح البخاري لكن ليس فيه حتى يريه

ومن حديث سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم ولفظه لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا

وفي مسلم أيضا من حديث أبي سعيد بينا نحن نسير مع رسول الله بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلىء جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا

وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار

وهذه أحاديث دالة على ذم الشعر وهي تعارض ما قدمتم فكيف الحال

قلت قال قائلون إنما أراد بالشعر الذي ذمه الشعر الذي هو هجو له حملا لمطلق هذا الحديث على مقيد حديث آخر روى من حديث جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأبي هريرة رضي الله عنه

قال الحافظ ابن عدي في كتاب الكامل حدثنا أحمد بن خالد بن عبد الملك ابن مسرح حدثني عمي الوليد بن عبد الملك أخبرنا أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلىء شعرا فقالت عائشة لم يحفظ الحديث إنما قال رسول الله لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلىء شعرا هجيت به

وهذا لو ثبت عن عائشة رضي الله عنها كان قاطعا لكل وهم ولكنه لا يكاد يثبت وابن عدي ذكره في ترجمة الكلبي محمد بن صالح السائب

وقال العقيلي في كتاب الضعفاء حدثنا الفضل بن عبد الله العتكي حدثنا سهل بن يحيى المروزي حدثنا محمد بن سليمان المروزي حدثنا النضر بن محرز عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي قال لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا هجيت به

قال الحافظ أبو جعفر العقيلي إنما يعرف هذا الحديث بالكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس حدثناه محمد بن إسماعيل حدثنا عثمان بن زفر حدثنا محمد بن مروان السدي عن الكلبي

قلت النضر بن محرز قال العقيلي هو المروزي وأنا لا أعرف المروزي إلا النضر بن محمد لا ابن محرز وكلاهما يروي عن ابن المنكدر

وروى الحافظ أبو سعد بن السمعاني في خطبة الذيل الحديث من رواية النضر ابن محمد الأزدي عن محمد بن المنكدر والنضر بن محمد الأزدي عن محمد بن المنكدر ما عرفته فإما أن يكون تصحف على ناسخ وما هو الأزدي بل المروزي كما ذكر العقيلي أو غير ذلك

وأما حديث عبد الله بن عباس فقال ابن عدي في ترجمة الكلبي حدثنا محمد بن محمد بن عقبة حدثني الحسين بن عبد الله بن موسى بن أسلم حدثنا عثمان بن زفر التيمي أخبرنا حبان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال قال رسول الله

لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا هجيت به والكلبي محمد بن السائب تركوه

وأما رواية أبي هريرة فرواها ابن عدي من حديث الكلبي أيضا عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله لأن يمتلى جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلىء شعرا هجيب به

وفي سنن أبي داود رحمه الله بعد ما ذكر حديث لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا قال أبو علي بلغني عن أبي عبيد أنه قال وجهه أن يمتلىء قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله فإذا كان القرآن والعلم الغالب فليس جوف هذا ممتلئا عندنا من الشعر

قلت وأبو علي هو اللؤلؤي راوي السنن عن أبي داود

فإن قلت فما قولكم فيما رواه أبو داود في سننه في كتاب الطب فقال حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول سمعت رسول الله يقول ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي

قال أبو داود هذا كان للنبي خاصة وقد رخص فيه قوم يعني شرب الترياق انتهى

ورواه أيضا الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن يزيد فذكره

فهل هذا الحديث في غاية المدح للشعر أو في غاية الذم له

قلت الحديث مشكل ولم أر لأحد عليه كلاما شافيا وعبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية قال البخاري في حديثه بعض المناكير حديثه في المضريين وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه بعض هذا

وذكر أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه في اختلاف الحديث هذا الحديث ولم يزد على أن قال كانت العرب تسمع بالترياق الأكبر

نتف مما أنشد بين يدي سيدنا رسول الله من الأشعار والأراجيز

وقد كان عليه الصلاة والسلام يسمع المدحة ويجيز وذلك برهان على أنه لم يكن يمنع ذلك بل يجيز

أخبرنا محمد بن إسماعيل الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو محمد عبد الواسع بن عبد الكافي الأبهري أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار بن علي بن المندائي وأبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري سماعا أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن جعفر المعروف بابن زوج الحرة أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي أخبرنا أحمد بن يحيى عن محمد بن سلام قال أخبرني محمد بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال قدم كعب بن زهير

متنكرا حين بلغه أن رسول الله أوعده فأتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه فلما صلى الصبح أتاه به وهو متلثم بعمامته فقال يا رسول الله رجل يبايعك على الإسلام فبسط يده فحسر عن وجهه فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله هذا مكان العائذ بك أنا كعب بن زهير فتجهمته الأنصار وأغلظت له لما كان من ذكره النبي ولانت له قريش وأحبوا إيمانه وإسلامه فأمنه النبي فأنشده مدحته التي يقول فيها

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ** متيم عندها لم يشف مكبول

حتى انتهى إلى قوله

وقال كل خليل كنت آمله ** لا ألهينك إني عنك مشغول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ** يوما على آلة حدباء محمول

نبئت أن رسول الله أوعدني ** والعفو عند رسول الله مأمول

في فتية من قريش قال قائلهم ** ببطن مكة لما أسلموا زولوا

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ** عند اللقاء ولا ميل معازيل

لا يقع الطعن إلا في نحورهم ** وما لهم عن حياض الموت تهليل

فنظر النبي إلى من عنده من قريش كأنه يومي إليهم أن اسمعوا حتى قال

يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم ** ضرب إذا عرد السود التنابيل

يعرض بالأنصار لغلظتهم عليه فأنكرت قريش ما قال وقالت لم تمدحنا إذ تهجوهم فلم يقبلوا ذلك حتى قال

من سره كرم الحياة فلا يزل ** في مقنب من صالح الأنصار

الباذلين نفوسهم ودماءهم ** يوم الهياج وسطوة الجبار

يتطهرون كأنه نسك لهم ** بدماء من علقوا من الكفار

صدموا قريشا يوم بدر صدمة ** زالت لوقعتها جميع نزار

فكساه النبي بردة اشتراها معاوية بن أبي سفيان من آل كعب بن زهير بعده بمال كثير فهي البردة التي يلبسها الخلفاء في العيدين زعم ذلك أبان

وأخبرنا عبد القادر بن الملك المغيث عبد العزيز بن الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب قراءة عليه وأنا حاضر في أواخر الثالثة أو أوائل الرابعة بالقاهرة والمسند أحمد بن علي بن الحسن بن داود الحنبلي بقراءتي عليه مرة وقراءة عليه وأنا أسمع أخرى بدمشق قالا أخبرنا محمد بن إسماعيل خطيب مردا قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا في الخامسة أخبرنا صنيعة الملك أبو محمد هبة الله بن يحيى ابن حيدرة أخبرنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين الخلعي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد بن النحاس البزار أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد أخبرنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي أخبرنا بو محمد عبد الملك بن هشام النحوي البصري حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ولما قدم رسول الله من منصرفه

من الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه كعب يخبره أن رسول الله قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجاتك من الأرض وكان كعب قد قال

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ** فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

فبين لنا إن كنت لست بفاعل ** على أي شيء غير ذلك دلكا

على خلق لم تلف أما ولا أبا ** عليه ولم تدرك عليه أخا لكا

فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ** ولا قائل إما عثرت لعا لكا

سقاك بها المأمون كأسا روية ** فأنهلك المأمون منها وعلكا

قال ابن هشام ويروي المأمور قلت أنا ويروي أبو بكر قال وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله فأنشده إياها فقال رسول الله لما سمع سقاك بها المأمون صدق وإنه لكذوب أنا المأمون ولما سمع علي خلق لم تلف أما ولا أبا عليه قال أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ثم قال بجير لكعب

من مبلغ كعبا فهل لك في التي ** تلوم عليها باطلا وهي أحزم

إلى الله لا العزي ولا اللات وحده ** فتنجو إذا كان النجاة وتسلم

لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت ** من الناس إلا طاهر القلب مسلم

فدين زهير وهو لا شيء دينه ** ودين أبي سلمى على محرم

قال ابن إسحاق وإنما يقول كعب المأمون لقول قريش الذي كانت تقوله لرسول الله

قال ابن إسحاق فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه فقالوا هو مقتول فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة فعداه إلى رسول الله حين صلاة الصبح فصلى مع رسول الله ثم أشار إلى رسول الله فقال هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه فذكر لي أنه قام إلى رسول الله حتى جلس إليه فوضع يده في يده وكان رسول الله لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به قال رسول الله نعم قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير

قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه وثب عليه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله دعه عنك فإنه قد جاء تائبا فازعا قال فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار

لما صنع به صاحبهم وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير فقال قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ** متيم إثرها لم يفد مكبول

قلت إثرها بكسرة وسكون وهو إما ظرف لمتيم متعلق به وإما حال من ضميره فيتعلق بكون محذوف

ومكبول اسم مفعول من كبله وكبله مشددا إذا وضع في رجله الكبل بفتح الكاف وقد يكسر وهو القيد

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ** إلا أغن غضيض الطرف مكحول

سعاد علم مرتجل يعني به امرأة يهواها حقيقة أو ادعاء وقد أعاد ذكرها والأصل وما هي فأناب الظاهر عن المضمر تلذذا بذكر اسم المحبوب وسهل ذلك أنهما في جملتين مستقلتين وبينهما جملة فاصلة

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ** كأنه منهل بالراح معلول

العوارض جمع عارضة وقيل عارض ثم اختلف في معناها فقيل الأسنان كلها وقيل بل ضواحكها وهي ما بعد الأنياب وقيل الضواحك والأنياب وقيل الرباعيات والأنياب وقيل غير ذلك

وقوله ذي نعت لمحذوف أي ثغر ذي

وظلم بفتح الظاء المعجمة وهو ماء الأسنان وبريقها وشدة بياضها

ومنهل بضم الميم اسم مفعول من أنهله إذا سقاه النهل بفتحتين وهو الشرب الأول

والراح هنا الخمر أو الارتياح أو جمع راحة

شجت بذي شبم من ماء محنية ** صاف بأبطح أضحى وهو مشمول

شبم بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وهو البرد الشديد أي بماء ذي برد

ومحنية بفتح الميم والحاء المهملة والنون المكسورة من حنوت وهو ما انعطف من الوادي

والأبطح مسيل الماء

ومشمول ضربته ريح الشمال

تنفى الرياح القذى عنه وأفرطه ** من صوب سارية بيض يعاليل

أفرطه أي ملأه

والسارية السحابة

وبيض فاعل أفرطه واختلف في البيض اليعاليل قيل الجبال المرتفعة وقيل البيض السحاب واليعاليل التي تجيء مرة بعد أخرى

أكرم بها خلة لو أنها صدقت ** موعودها أو لو ان النصح مقبول

لكنها خلة قد سيط من دمها ** فجع وولع وإخلاف وتبديل

سيط بالسين المهملة ويقال بالمعجمة خلط

وفجع مصدر فجعه إذا أصابه بمكروه

وولع مصدر ولع بالفتح إذا كذب

فما تدوم على حال تكون بها ** كما تلون في أثوابها الغول

ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ** إلا كما يمسك الماء الغرابيل

فلا يغرنك ما منت وما وعدت ** إن الأماني والأحلام تضليل

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ** وما مواعيدها إلا الأباطيل

أرجو وآمل أن تدنو مودتها ** وما إخال لدينا منك تنويل

أمست سعاد بأرض ما يبلغها ** إلا العتاق النجيبات المراسيل

ولن يبلغها إلا عذافرة ** لها على الأين إرقال وتبغيل

عذافرة مهمل الأول مضمومه معجم الثاني وهي الناقة الصلبة العظيمة

والإرقال نوع من السير الخبب

والتبغيل مشى فيه اختلاف يشبه سير البغال

من كل نضاخة الذفري إذا عرقت ** عرضتها طامس الأعلام مجهول

الذفري ما تحت الأذن من يمين الرقبة وشمالها

والنضخ أغلظ من الرشح

وعرضتها من قولهم فلان عرضة للسفر أي قوى عليه معناه أنها مطيقة لقطع طامس الأعلام من الأرض

ترمى الغيوب بعيني مفرد لهق ** إذا توقدت الحزان والميل

المفرد ثور الوحش شبه به الناقة

اللهق الأبيض

والحزان جمع حزيز وهو الغليظ من الأرض والمعنى أن هذه الناقة قوية على السير في الهواجر إذا توقدت هذه المواضع من الحر

ضخم ملقدها فعم مقيدها ** في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

المقلد موضع القلادة

الفعم الممتلىء

المقيد موضع القيد

في خلقها أي هذه تفضل النوق والنوق بنات الفحل

غلباء وجناء علكوم مذكرة ** في دفها سعة قدامها ميل

غلباء عظيمة الرقبة

وجناء عظيمة الوجنتين

وجلدها من أطوم لا يؤيسه ** طلح بضاحية المتنين مهزول

حرف أخوها أبوها من مهجنة ** وعمها خالها قوداء شمليل

الحرف الناقة الضامر

والمهجنة من قولهم أهجنت الناقة إذا حمل عليها في صغرها كذلك الصبية تزوج قبل بلوغها

والقوداء الطويلة

قوله أخوها أبوها وعمها خالها مثال هذا أن فحلا ضرب أمه فوضعت ذكرا

وأنثى ثم ضرب الفحل الأنثى فوضعت ذكرا ثم ضرب الذكر أمه فوضعت أنثى فهذه الأنثى هي الحرف التي أبوها أخوها من أمه وعمها الذكر الأول وهو خالها لأنهما توأمان أعني الذكر الأول والأنثى التي هي أم هذه الحرف ذكره التبريزي والكندي

يمشي القراد عليها ثم يزلقه ** منها لبان وأقراب زهاليل

أي إذا دب القراد عليها لا يثبت لملاستها وسمنها واللبان من صدر الفرس حيث يجري عليه اللبب

والأقراب جمع قرب وهي الخاصرة

والزهاليل الملس جمع زهلول

عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ** مرفقها عن بنات الزور مفتول

عيرانة ناقة صلبة تشبه عير الوحش في صلابتها

والنحض اللحم

عن عرض أي اعتراض

قذفت باللحم رميت به

والزور الصدر وبنات الصدر ما حواليه يعني مرفقها جاف فهو ينبو عن الصدر

والمفتول المدمج المحكم

كأن ما فات عينيها ومذبحها ** من خطمها ومن اللحيين برطيل

ما فات عينيها الذي تقدمه

مذبحها منحرها

الخطم الذي يقع عليه الخطام وقيل الأنف

واللحيان العظمان تنبت عليهما اللحية

والبرطيل حجر مستطيل وصفها بكبر الرأس وعظمه

تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ** في غارز لم تخونه الأحاليل

الخصل جمع خصلة من الشعر

والغارز هنا الضرع

لم تخونه تنقصه

والأحاليل جمع إحليل وهو الذي يخرج منه اللبن

قنواء في حرتيها للبصير بها ** عتق مبين وفي الخدين تسهيل

قنواء فعلاء من القنا ناقة قنا

والحرتان الأذنان

تخدي على يسرات وهي لاحقة ** ذوابل وقعهن الأرض تحليل

الخدي ضرب من السير

واليسرات قوائمها

واللاحقة الضامرة

والتحليل من تحلة اليمين أي وقعها على الأرض قليل كما يفعل اليسير تحلة اليمين

سمر العجايات يتركن الحصا زيما ** لم يقهن رءوس الأكم تنعيل

العجايات جمع عجاية بعين مضمومة ثم جيم ثم ألف ثم آخر الحروف ثم ألف ثم تاء مثناة ويقال عجاوة بواو بدل آخر الحروف وهي عصب قوائم قوائم الإبل والخيل

والزيم المتفرق أي لقوة جريها تترك الحصى متفرقة

كأن أوب ذراعيها إذا عرقت ** وقد تلفع بالقور العساقيل

يوما يظل به الحرباء مصطخدا ** كأن ضاحيه بالشمس مملول

وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ** ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا

شد النهار ذراعا عيطل نصف ** قامت فجاوبها نكد مثاكيل

نواحة رخوة الضبعين ليس لها ** لما نعي بكرها الناعون معقول

تفري اللبان بكفيها ومدرعها ** مشقق عن عن تراقيها رعابيل

يسعى الوشاة جنابيها وقولهم ** إنك يا ابن أبي سلمت لمقتول

وقال كل خليل كنت آمله ** لا ألهينك إني عنك مشغول

فقلت خلوا سبيلي لا أبالكم ** فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ** يوما على آلة حدباء محمول

الآلة الحدباء الآلة الصعبة وهي الموت وقيل النعش نفسه ولعله الأصح

أنبئت أن رسول الله أوعدني ** والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن ** فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم ** أذنب وإن كثرت عني الأقاويل

لقد أقوم مقاما لو يقوم به ** أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل

لظل يرعد إلا أن يكون له ** من الرسول بإذن الله تنويل

حتى وضعت يميني لا أنازعه ** في كف ذي نقمات قيله القيل

لذاك أهيب عندي إذ أكلمه ** وقيل إنك منسوب ومسئول

من خادر من ليوث الأسد مسكنه ** من بطن عثر غيل دونه غيل

أي من أسد خادر وخادر داخل في الخدر ويروي من ضيغم

وعثر موضع

وغيل موضع الأسد

إن الرسول لسيف يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول

في عصبة من قريش قال قائلهم ** ببطن مكة لما أسلموا زولوا

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ** عند اللقاء ولا ميل معازيل

أنكاس جمع نكس وهو الرجل الضعيف

والكشف جمع أكشف وهو الذي لا ترس معه

وميل جمع مائل وهو الكفل الذي لا يحسن الفروسية

والمعازيل من قولهم رجل أعزل إذا لم يكن معه رمح

أي زالوا من بطن مكة وليس فيهم من هذه صفته بل هم أقوياء ذوو سلاح فرسان عند اللقاء رضي الله عنهم

شم العرانين أبطال لبوسهم ** من نسج داود في الهيجا سرابيل

شم جمع أشم وشماء وأصل الشمم الارتفاع

والعرانين الأنوف واحدها عرنين وأنف أشم إذا كان فيه علو

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ** ضرب إذا عرد السود التنابيل

الزهر البيض

عرد أي فر وبالغين المعجمة طرب

والتنابيل جمع تنبال وهو القصير

لا يفرحون إذا نالت سيوفهم ** قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

لا يقع الطعن إلا في نحورهم ** وما لهم عن حياض الموت تهليل

أخبرنا أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد بن محمد بن الصابوني قراءة عليه وأنا حاضر أسمع في الرابعة أخبرنا أبو البركات أحمد بن محمد بن عبد الله النحاس حدثنا عبد الرحمن بن مكي بن موقا

ح قال شيخنا وأخبرنا أيضا المعين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة أبي الحسن علي بن يوسف الدمشقي وإسماعيل بن عبد القوى بن عزون قالا أخبرنا إسماعيل بن صالح بن ياسين

ح وأخبرنا أبوبكر بن عبد الغني بن أبي الحسن الصعبي قراءة عليه وأنا أسمع في الرابعة أيضا أخبرنا أحمد بن حامد الأرتاحي وعبد العزيز بن أبي الفتوح بن إبراهيم بن أبي الروس قال الأول أخبرنا ابن ياسين وقال الثاني أخبرنا ابن موقا قالا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي أخبرنا أبو الحسن علي بن بقا بن محمد الوراق بمصر حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني التنوخي حدثنا خلف الواسطي الحافظ حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسماعيل بن القاسم بن عاصم حدثنا أبو محمد عبيد الله بن رماحس بن محمد ابن خالد بن حبيب بن قيس من رمادة من الرملة على بريدين

في ربيع الآخر من سنة ثمانين ومائتين حدثنا أبو عمرو زياد بن طارق الجشمي حدثنا زهير أبو جرول وكان سيد قومه وكان يكنى أبا صرد قال لما كان يوم حنين أسرنا رسول الله فبينا هو يميز بين الرجال والنساء وثبت حتى قعدت بين يديه أذكره حيث شب ونشأ في هوازن وحيث أرضعوه فأنشأت أقول

امنن علينا رسول الله في كرم ** فإنك المرء نرجوه وننتظر

امنن علي بيضة قد عاقها قدر ** مفرق شملها في دهرها غير

أبقت لنا الحرب هتافا على حزن ** على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها ** يا أرجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك تملأه من مخضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ** وإذ يرينك ما تأتي وما تذر

يا خير من مرحت كمت الجياد به ** عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته ** واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا تؤمل عفوا منك تلبسه ** هدى البرية أن تعفو وتنتصر

إنا لنشكر للنعما وقد كفرت ** وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه ** من أمهاتك إن العفو مشتهر

واعف عفا الله عما أنت واهبه ** يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر

فقال رسول الله أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فلله ولكم

وقالت الأنصار ما كان لنا فلله ولرسوله فردت الأنصار ما كان في أيديها من الذراري والأموال

وكان أبو عمرو يقول إنه ابن عشرين ومائة سنة

وقال عبيد الله بن رماحس وأنا ابن مائة سنة

هذا الحديث رواه جماعة عن عبيد الله بن رماحس القيسي منهم أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي الحافظ وذكر في حديثه أنهم في الجاهلية كانوا يكتنون بكنيتين يعني أن زهيرا كان يكنى أبا جرول وأبا صرد قال وقال عبيد الله كان زياد بن طارق ابن مائة وعشرين سنة وكان يصعد التين فقلت له وأنت تصعد التين قال نعم والجميز وكان ابن مائة سنة

أخبرنا المشايخ حافظ الزمان أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن الكلبي والمحدث أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة وأبو سليمان داود بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعيون قال الأول والثالث أخبرنا أبو حامد محمد بن علي ابن الصابوني وقال ابن نباتة أخبرنا عبد الرحيم بن عبد المنعم بن الدميري قالا أخبرنا داود بن أحمد ابن ملاعب قال ابن الصابوني سماعا وقال الدميري إجازة أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي قراءة عليه وأبو القاسم علي بن أحمد بن محمد البسري البندار إجازة

ح قال ابن ملاعب وأخبرنا الحاجب الأجل أبو منصور نوشتكين بن عبد الله قراءة عليه أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد البسري قالا أخبرنا أبو طاهر محمد ابن عبد الرحمن بن العباس المخلص

ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي بقراءتي أخبرنا أبو علي الحسن بن إسحاق بن موهوب بن أحمد الجواليقي أخبرنا الوزير العادل عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة قراءة عليه وأنا أسمع سنة ست وخمسين وخمسمائة قال قرأت على مولانا المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن المستظهر أبي العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم سنة اثنتين وخمسين حدثكم أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب بن هبة الله بن أحمد السيبي لفظا سنة خمسمائة أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الصريفيني حدثنا أبو طاهر المخلص

ح وأخبرنا عبد المحسن بن أحمد الصابوني وأبو بكر بن عبد الغني بن أبي الحسن الصعبي قراءة عليهما وأنا حاضر أسمع في الرابعة بالقاهرة قال الأول أخبرنا المعين أحمد بن القاضي أبي الحسن علي بن يوسف الدمشقي وإسماعيل بن عزون وأحمد بن محمد النحاس قال المعين وابن عزون أخبرنا إسماعيل بن صالح بن ياسين وقال النحاس أخبرنا عبد الرحمن بن مكي بن موقا وقال الثاني أعني الصعبي أخبرنا عبد العزيز بن أبي الفتوح ابن أبي الروس أخبرنا ابن موقا قالا ابن ياسين وابن موقا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي أخبرنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي بمصر أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري بها قالا المخلص وابن بطة أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا داود بن رشيد حدثنا يعلى بن الأشدق

قال سمعت النابغة يقول أنشدت النبي

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ** وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال أين المظهر يا أبا ليلى قلت الجنة قال أجل إن شاء الله تعالى ثم قلت

ولا خير في حلم إذا لم يكن له ** بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له ** حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال النبي أجدت لا يفضض الله فاك قال مرتين

اللفظ لرواية ابن بطة

والإسناد الثاني وإن كان أنزل فإنما ذكرناه لما فيه من اجتماع خليفة ووزير ومثل ذلك مستغرب مستطرف

وأبيات النابغة هذه من قصدة له أولها

خليلي غضا ساعة وتهجرا ** ولو ما على ما أحدث الدهر أوذرا

وهي نحو مائتي بيت قيل إنها أحسن شعر قيل في الفخر بالشجاعة

قال ابن عبد البر وما أظن النابغة رضي الله عنه إلا وقد أنشد الشعر كله لرسول الله

ومنها

تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ** ومن حاجة المحزون أن يتذكرا

نداماي عند المنذر بن محرق ** أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا

تقضى زمان الوصل بيني وبينها ** ولم ينقض الشوق الذي كان أكثرا

وإني لاستشفى برؤية جارها ** إذا ما تلقيها علي تعذرا

والقى على جيرانها مسحة الهوى ** وإن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا

ترديت ثوب الذل يوم لقيتها ** وكان ردائي نخوة وتجبرا

حسبنا زمانا كل بيضاء شحمة ** ليالي إذ نغزو جذاما وحميرا

إلى أن لقينا الحي بكر بن وائل ** ثمانين ألفا دراعين وحسرا

فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ** ببعض أبت عيدانه أن تكسرا

سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ** ولكننا كنا على الموت أصبرا

بنفسي وأهلي عصبة سلمية ** يعدون للهيجا عناجيج ضمرا

وقالوا لنا أحيوا لنا من قتلتم ** لقد جئتم أمرا من الأمر منكرا

ولسنا نرد الروح في جسم ميت ** ولكن نسل الروح ممن تنشرا

نميت ولا نحيى كذاك صنيعنا ** إذا البطل الحامي إلى الموت هجرا

ملكنا فلم نكشف قناعا لحرة ** ولم نستلب إلا الحديد المسمرا

ولو أننا شئنا سوى ذاك أصبحت ** كرائمهم فينا تباع وتشتري

ولكن أحسابا نمتنا إلى العلا ** وآباء صدق أن نروم المحقرا

وإنا لقوم ما نعود خيلنا ** إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا

وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ** من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا

وليس بمعروف لنا أن نردها ** صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا

أتينا رسول الله إذ جاء بالهدى ** ونتلو كتابا كالمجرة نيرا

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا **

الأبيات التي رويناها

أخبرنا محمد بن إسماعيل الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا علي بن أحمد بن البخاري أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد سماعا وأبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ومحمد بن أحمد بن بختيار المندائي وأبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن أبي القاسم بن الطويلة وأبو عبد الله الحسين بن سعيد بن الحسين بن شنيف إجازة قالوا كلهم أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري المعروف بابن الطبر قراءة عليه ونحن نسمع متفرقين أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكرياء بن حيويه حدثنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق المدائني حدثنا أبو بكر بن أبي النضر حدثنا شبابة حدثني أبو العطوف قال سمعت الزهري يقول قال رسول الله

لحسان هل قلت في أبي بكر مثلا قال نعم قال قل وأنا أسمع قال

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ** طاف العدو به إذ يصعد الجبلا

وكان ردف رسول الله قد علموا ** من البرية لم يعدل به رجلا

فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه وقال صدقت يا حسان هو كما قلت

أخبرنا أبي تغمده الله برحمته بقراءتي عليه أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله الظاهري بقراءتي أخبرنا إبراهيم بن خليل أخبرنا يحيى الثقفي أخبرنا الشيخان أبو عدنان محمد بن أحمد بن أبي نزار وفاطمة الجوزدانية قالا أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة أخبرنا أبو القاسم الطبراني الحافظ حدثنا ذاكر ابن شيبة العسقلاني بقرية عجس حدثنا أبو عاصم رواد بن الجراح عن أبي الزعيزعة وسعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله كثيرا ما يقول لي يا عائشة ما فعلت أبياتك فأقول وأي أبياتي تريد يا رسول الله فإنها كثيرة فيقول في الشكر فأقول نعم بأبي وأمي قال الشاعر

ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ** يوما فتدركه العواقب قد نما

يجزيك أو يثنى عليك وإن من ** أثنى عليك بما فعلت فقد جزى

إن الكريم إذا أردت وصاله ** لم تلف رثا حبله واهي القوى

قال فيقول يا عائشة إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة قال لعبد من عباده اصطنع إليه عبد من عباده معروفا هل شكرته فيقول أي رب علمت أن ذلك منك فشكرتك عليه فيقول لم تشكرني إذ لم تشكر من أجريت ذلك على يديه

قال الطبراني لم يروه عن سعيد بن عبد العزيز إلا رواد بن الجراح

أخبرنا عبد القادر بن عبد العزيز بالقاهرة وأبو العباس المسند بدمشق قالا أخبرنا محمد بن إسماعيل الخطيب أخبرنا هبة الله بن يحيى أخبرنا عبد الله بن رفاعة أخبرنا علي بن الحسين أخبرنا أبو محمد بن النحاس أخبرنا عبد الله بن الورد أخبرنا أبو سعيد البرقي أخبرنا عبد الملك بن هشام فذكر أبيات قتيلة بنت الحارث بن النضر التي أنشدتها وسمعها النبي بعد ما قتل النضر وهي

يا راكبا إن الأثيل مظنة ** من صبح خامسة وأنت موفق

أبلغ بها ميتا بأن تحية ** ما إن تزال بها النجائب تخفق

مني إليك وعبرة مسفوحة ** جادت بواكفها وأخرى تخنق

هل يسمعني النضر إن ناديته ** أم كيف يسمع ميت لا ينطق

أمحمد ولأنت ضنو كريمة ** في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى وهو المغيظ المحنق

أو كنت قابل فدية فلينفقن ** بأعز ما يغلو به ما ينفق

والنضر أقرب من أسرت قرابة ** وأحقهم إن كان عتق يعتق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ** لله أرحام هناك تشقق

صبرا يقاد إلى المنية متعبا ** رسف المقيد وهو عان موثق

قال ابن هشام فيقال والله أعلم إن رسول الله لما بلغه هذا الشعر قال لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه

قلت وفي كتاب الزبير بن بكار في النسب أن بعض أهل العلم ذكر أن هذه الأبيات مصنوعة

ونحن قد تكلمنا على قوله لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه في مسئلة التفويض في كتابينا شرح المختصر وشرح المنهاج بما يغنى عن الإعادة

وحظ هذا الكتاب منه بعد الاستشهاد لسماعه الشعر أنه كان يقبل الشفاعة والضراعة والاستعطاف بالشعر وكيف لا وذلك من مكارم الأخلاق التي حل النبي في ذروتها وكثيرا ما يسأل عن وجه إنشاد أبي تمام الطائي بعد ذكر هذه القطعة في الحماسة قول النابغة الجعدي

فتى كان فيه ما يسر صديقه ** على أن فيه ما يسوء الأعاديا

فتى كملت أخلاقه غير أنه ** جواد فما يبقى على المال باقيا

وأجاب الفقيه ناصر الدين ابن المنير في كتاب المقتفي أن أبا تمام أراد أن ينفى عن

مقام النبوة ما لا يجوز نسبته إليه من القسوة على النضر فتبين أن الإساءة للعدو من مكارم الأخلاق ولا سيما عدو الدين ومن لم يسؤ عدوه لا يسر صديقه

ولو غدوت أسرد ما وقع لي مسندا مما أنشد بين يدي النبي على وجه الاستيعاب لطال الخطاب وفيما أوردته مقنع وبلاغ والله المستعان